كتاب: تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن الكريم



فصل:
ولما كان سؤال اللّه الهداية إلى الصراط المستقيم أجلّ المطالب ونيله أشرف المواهب: علّم اللّه عباده كيفية سؤاله، وأمرهم أن يقدموا بين يديه حمده والثناء عليه، وتمجيده ثم ذكر عبوديتهم وتوحيدهم، فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم. توسل إليه بأسمائه وصفاته. وتوسل إليه بعبوديته. وهاتان الوسيلتان لا يكاد يرد معهما الدعاء. ويؤيدهما الوسيلتان المذكورتان في حديثي الاسم الأعظم اللذين رواهما ابن حبان في صحيحه، والإمام أحمد والترمذي.
أحدهما: حديث عبد اللّه بن بريدة عن أبيه قال: سمع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم رجلا يدعو، ويقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك اللّه الذي لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد.
فقال: «والذي نفسي بيده، لقد سأل اللّه باسمه الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى».
قال الترمذي: حديث صحيح. فهذا توسل إلى اللّه بتوحيده، وشهادة الداعي له بالوحدانية. وثبوت صفاته المدلول عليها باسم {الصمد} وهو كما قال ابن عباس العالم الذي كمل علمه، القادر الذي كلمت قدرته وفي رواية عنه هو السيد الذي قد كمل فيه جميع أنواع السؤدد وقال أبو وائل: هو السيد الذي انتهى سؤدده وقال سعيد بن جبير: هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله وأعماله وبنفي التمثيل والتشبيه عنه بقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} وهذه ترجمة عقيدة أهل السنة والتوسل بالإيمان بذلك، والشهادة به هو الاسم الأعظم.
والثاني: حديث أنس: «أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سمع رجلا يدعو: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت، المنّان، بديع السموات والأرض، ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم. فقال: لقد سأل اللّه باسمه الأعظم».
فهذا توسل إليه بأسمائه وصفاته.
وقد جمعت الفاتحة الوسيلتين، وهما التوسل بالحمد والثناء عليه، وتمجيده، والتوسل إليه بعبوديته وتوحيده. ثم جاء سؤال أهم المطالب، وأنجح الرغائب، وهو الهداية، بعد الوسيلتين. فالداعي به حقيق بالإجابة.
ونظير هذا: دعاء النبي صلّى اللّه عليه وسلّم الذي كان يدعو به إذا قام يصلّي من الليل.
رواه البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس: اللهم لك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، والساعة حق، ومحمد حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت. فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنت.
فذكر التوسل إليه بحمده والثناء عليه وبعبوديته له. ثم سأله المغفرة.
فصل في اشتمال هذه السورة على أنواع التوحيد الثلاثة التي اتفقت عليها الرسل صلوات اللّه وسلامه عليهم:
التوحيد نوعان: نوع في العلم والإعتقاد. ونوع في الإرادة والقصد.
ويسمى الأول: التوحيد العلمي. والثاني: التوحيد القصدي الارادي.
لتعلق الأول بالأخبار والمعرفة. والثاني بالقصد والإرادة. وهذا الثاني أيضا نوعان: توحيد في الربوبية، وتوحيد في الإلهية. فهذه ثلاثة أنواع.
فأما توحيد العلم: فمداره على إثبات صفات الكمال، وعلى نفي التشبيه والمثال. والتنزيه عن العيوب والنقائص. وقد دل على هذا شيئان: مجمل، ومفصل.
أما المجمل: فإثبات الحمد له سبحانه. وأما المفصل: فذكر صفة الإلهية والربوبية، والرحمة والملك. وعلى هذا الأربع مدار الأسماء والصفات. فأما تضمن الحمد لذلك: فإن الحمد يتضمن مدح المحمود بصفات كماله، ونعوت جلاله، مع محبته والرضا عنه والخضوع له، فلا يكون حامدا من جحد صفات المحمود، ولا من أعرض عن محبته والخضوع له. وكلما كانت صفات كمال المحمود أكثر كان حمده أكمل، وكلما نقص من صفات كماله نقص من حمده بحسبها. ولهذا كان الحمد كله للّه حمدا لا يحصيه سواه، لكمال صفاته وكثرتها. ولأجل هذا لا يحصى أحد من خلقه ثناء عليه، لما له من صفات الكمال، ونعوت الجلال التي لا يحصيها سواه. ولهذا ذم اللّه تعالي آلهة الكفار، وعابها بسلب أوصاف الكمال عنها. فعابها بأنها لا تسمع ولا تبصر، ولا تتكلم ولا تهدى، ولا تنفع ولا تضر. وهذه صفة إله الجهمية، التي عاب بها الأصنام، نسبوها إليه، تعالى اللّه عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا. فقال تعالى حكاية عن خليله إبراهيم عليه السلام في محاجّته لأبيه: {يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً} [19: 42] فلو كان إله إبراهيم بهذه الصفة والمثابة لقال له آزر: وأنت إلهك بهذه المثابة، فكيف تنكر عليّ؟ لكن كان مع شركه أعرف باللّه من الجهمية. وكذلك كفار قريش كانوا مع شركهم مقرين بصفات الصانع سبحانه وعلوه على خلقه، وقال تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ} [7: 148] فلو كان إله الخلق سبحانه كذلك لم يكن في هذا إنكار عليهم، واستدلال على بطلان الإلهية بذلك.
فإن قيل: فاللّه تعالى لا يكلم عباده.
قيل: بلى، قد كلمهم، فمنهم من كلمه اللّه من وراء حجاب، منه إليه بلا واسطة، كموسى. ومنهم من كلمه اللّه على لسان رسوله الملكي.
وهم الأنبياء. وكلم اللّه سائر الناس على ألسنة رسله. فأنزل عليهم كلامه الذي بلغته رسله عنه. وقالوا لهم: هذا كلام اللّه الذي تكلم به وأمرنا بتبليغه إليكم. ومن هاهنا قال السلف: من أنكر كون اللّه متكلما فقد أنكر رسالة الرسل كلهم. لأن حقيقتها تبليغ كلامه الذي تكلم به إلى عباده، فإذا انتفى كلامه انتفت الرسالة وقال تعالى في سورة طه عن السامري: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً} [20: 88] ورجع القول: هو التكلم والتكليم.
قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} [16: 76] فجعل نفي صفات الكلام موجبا لبطلان الإلهية. وهذا أمر معقول بالفطر والعقول السليمة والكتب السماوية: أن فاقد صفات الكمال لا يكون إلها، ولا مدبرا، ولا ربّا، بل هو مذموم معيب ناقص، ليس له الحمد لا في الأولى، ولا في الآخرة. وإنما الحمد في الأولى والآخرة لمن له صفات الكمال، ونعوت الجلال، التي لأجلها استحق الحمد. ولهذا سمي السلف كتبهم التي صنفوها في السنة وإثبات صفات الرب وعلوه على خلقه، وكلامه وتكليمه: توحيدا. لأن نفي ذلك وإنكاره والكفر به إنكار للصانع، وجحد له، وإنما توحيده: إثبات صفات كماله، وتنزيهه عن الشبيه والنقائص.
فجعل المعطلة جحد الصفات وتعطيل الصانع عنها توحيدا، وجعلوا إثباتها للّه تشبيها وتجسيما وتركيبا. فسموا الباطل باسم الحق، ترغيبا فيه، وزخرفا ينفقونه به. وسموا الحق باسم الباطل تنفيرا عنه، والناس أكثرهم مع ظاهر السّكّة، ليس لهم نقد النقاد: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً} [18: 17] والمحمود لا يحمد على العدم والسكوت البتة، إلا إذا كانت سلب عيوب ونقائص تتضمن إثبات أضدادها من الكمالات الثبوتية، وإلا فالسلب المحض لا حمد فيه ولا كمال.
وكذلك حمده لنفسه على عدم اتخاذ الولد المتضمن لكمال صمديته وغناه وملكه، وتعبد كل شيء له، فاتخاذ الولد ينافي ذلك، كما قال تعالى: {قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ} [10: 68].
وحمد نفسه على عدم الشريك، المتضمن تفرده بالربوبية والإلهية، وتوحده بصفات الكمال التي لا يوصف بها غيره، فيكون شريكا له. فلو عدمها لكان كل موجود أكمل منه. لأن الموجود أكمل من المعدوم. ولهذا لا يحمد نفسه سبحانه بعدم إلا إذ كان متضمنا ثبوت كمال. كما حمد نفسه بكونه لا يموت لتضمنه كمال حياته، وحمد نفسه بكونه لا تأخذه سنة ولا نوم، لتضمن ذلك قيوميته وحمد نفسه بأنه لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، لكمال علمه وإحاطته. وحمد نفسه بأنه لا يظلم أحدا، لكمال عدله وإحسانه.
وحمد نفسه بأنه لا تدركه الأبصار، لكمال عظمته، يرى ولا يدرك، كما أنه يعلم ولا يحاط به علما. وإلا فمجرد نفي الرؤية ليس بكمال. لأن العدم لا يرى، فليس في كون الشيء لا يرى كمال البتة. وإنما الكمال في كونه لا يحاط به رؤية ولا إدراكا، لعظمته في نفسه، وتعاليه عن إدراك المخلوق له. وكذلك حمد نفسه بعدم الغفلة والنسيان، لكمال علمه.
فكل سلب في القرآن حمد به نفسه فلمضادته لثبوت ضده، ولتضمنه كمال ثبوت ضده. فعلمت أن حقيقة الحمد تابعة لثبوت أوصاف الكمال، وأن نفيها نفي لحمده، ونفي الحمد مستلزم لثبوت ضده.
فصل:
فهذا دلالة الحمد على توحيد الأسماء والصفات. وأما دلالة الأسماء الخمسة عليها، وهي: اللّه، والرب، والرحمن، والرحيم، والملك: فمبني على أصلين:
أحدهما: أن أسماء الرب تبارك وتعالى دالة على صفات كماله. فهي مشتقة من الصفات. فهي أسماء، وهي أوصاف. وبذلك كانت حسنى، إذ لو كانت ألفاظا لا معاني فيها لم تكن حسنى، ولا كانت دالة على مدح ولا كمال. ولساغ وقوع أسماء الانتقام والغضب في مقام الرحمة والإحسان، وبالعكس، فيقال: اللهم إني ظلمت نفسي، فاغفر لي إنك أنت المنتقم.
واللهم أعطني، فإنك أنت الضار المانع، ونحو ذلك. ونفي معاني أسمائه الحسنى من أعظم الإلحاد فيها.
قال تعالى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} [7: 180] ولأنها لو لم تدل على معان وأوصاف لم يجز أن يخبر عنها بمصادرها ويوصف بها، لكن اللّه أخبر عن نفسه بمصادرها، وأثبتها لنفسه، وأثبتها له رسوله، كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [51: 58] فعلم أن القويّ من أسمائه، ومعناه الموصوف بالقوة وكذلك قوله: {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعا}ً [35: 10] فالعزيز من له العزة، فلولا ثبوت القوة والعزة له لم يسم قويا ولا عزيزا. وكذلك قوله: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [4: 166] {فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} [11: 14] {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [2: 255] وفي الصحيح عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: «إن اللّه لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه».
فأثبت المصدر الذي اشتق منه اسمه البصير:
وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي اللّه عنها: الحمد للّه الذي وسع سمعه الأصوات.
وفي الصحيح حديث الإستخارة: «اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك» فهو قادر بقدرة.
وقال تعالى لموسى: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي} [7: 144] فهو متكلم بكلام. وهو العظيم الذي له العظمة، كما في الصحيح عنه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يقول اللّه تعالى: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي» وهو الحكيم الذي له الحكم {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [40: 12] وأجمع المسلمون أنه لو حلف بحياة اللّه أو سمعه أو بصره أو قوته أو عزته أو عظمته انعقدت يمينه، وكانت مكفرة. لأن هذه صفات كماله التي اشتقت منها أسماؤه.
وأيضا لو لم تكن أسماؤه مشتملة على معان وصفات لم يسغ أن يخبر عنه بأفعالها. فلا يقال: يسمع ويرى ويعلم ويقدر ويريد، فإن ثبوت أحكام الصفات فرع ثبوتها، فإذا انتفى أصل الصفة استحال ثبوت حكمها.
وأيضا فلو لم تكن أسماؤه ذوات معان وأوصاف لكانت جامدة كالأعلام المحضة، التي لم توضع لمسماها معنى قام به. فكانت كلها سواء، ولم يكن فرق بين مدلولاتها. وهذا مكابرة صريحة، وبهت بيّن. فإن من جعل معنى اسم (القدير) هو معنى اسم السميع، البصير ومعنى اسم (التواب) هو معنى اسم المنتقم ومعنى اسم (المعطي) هو معنى اسم المانع فقد كابر العقل واللغة والفطرة.
فنفي معاني أسمائه من أعظم الإلحاد فيها. والإلحاد فيها أنواع، هذا أحدها.
الثاني: تسمية الأوثان بها كما يسمونها آلهة.
وقال ابن عباس ومجاهد عدلوا بأسماء اللّه تعالى عما هي عليه، فسموا بها أوثانهم، فزادوا ونقصوا. فاشتقوا اللات من اللّه، والعزى من العزيز ومناة من المنان وروى عن ابن عباس {يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ} يكذبون عليه وهذا تفسير بالمعنى. وحقيقة الإلحاد فيها: العدول بها عن الصواب فيها، وإدخال ما ليس من معانيها فيها، وإخراج حقائق معانيها عنها. هذا حقيقة الإلحاد. ومن فعل ذلك فقد كذب على اللّه. ففسر ابن عباس الإلحاد بالكذب، أو هو غاية الملحد في أسمائه تعالى، فإنه إذا أدخل في معانيها ما ليس منها، وخرج بها عن حقائقها أو بعضها، فقد عدل بها عن الصواب والحق، وهو حقيقة الإلحاد. فالإلحاد: إما بجحدها وإنكارها، وإما بجحد معانيها وتعطيلها، وإما بتحريفها عن الصواب، وإخراجها عن الحق بالتأويلات الباطلة، وإما بجعلها أسماء لهذه المخلوقات المصنوعات، كإلحاد أهل الاتحاد. فإنهم جعلوها أسماء هذا الكون، محمودها ومذمومها، حتى قال زعيمهم: وهو المسمى بكل اسم ممدوح عقلا وشرعا وعرفا، وبكل اسم مذموم عقلا وشرعا وعرفا، تعالى اللّه عما يقول الملحدون علوا كبيرا.